فصل: مسألة (20): لا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بذبحه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***


مسألة ‏(‏8‏)‏‏:‏ لا يكره الوضوء بالماء المُشَمَّس‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ يكره‏.‏

واحتجَّ أصحابه بحديثين‏:‏ أحدهما‏:‏ عن عائشة، والثَّاني‏:‏ عن أنس‏.‏

فأمَّا حديث عائشة فله أربع طرق‏:‏

46/ب- الطَّريق الأوَّل‏:‏ أخبرنا به محمَّد بن عبيد الله بن نصر أنا عبد الله بن علي بن زكْرِي أنا عليُّ بن محمَّد بن ‏[‏بشران‏]‏ أنا إسماعيل بن محمَّد الصغَّار ثنا ‏[‏سَعدان‏]‏ بن نصر ثنا خالد بن إسماعيل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ أسخنت ماءً في الشَّمس، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا تفعلي يا حميراء، فإنَّه يورث البرص‏"‏‏.‏

47- الطَّريق الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن الفتح القَلانِسيُّ ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ثنا الهيثم بن عَدِيٍّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحو الحديث الذي قبله‏.‏

48- الطَّريق الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن الفتح القلانسي ثنا محمّد بن الحسن بن سعيد البزَّاز ثنا عمرو بن خالد ثنا عمرو بن محمَّد ‏[‏الأَعْسَم‏]‏ ثنا فُلَيْح عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتوضأ بالماء المشمَّس أو يغتسل به، وقال‏:‏ ‏"‏إنَّه يورث البرص‏"‏‏.‏

49- الطَّريق الرَّابع‏:‏ قال ابن حِبَّان‏:‏ ثنا ‏[‏عمر‏]‏ بن سنان ثنا أحمد بن الفضل الصَّائغ ثنا نوح بن الهيثم ثنا وهب بن وهب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ أسخنت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماءً في الشَّمس، فقال‏:‏ ‏"‏لا تعودي يا حميراء، فإنَّه يورث البرص‏"‏‏.‏

أخبرناه محمد بن عثمان الأذرعي‏.‏

وأخبرناه عمر بن سعيد بن سنان قال‏:‏ حدثنا أحمد بن الفضل الصائغ قال حدثنا نوح بن الهيثم قال حدثنا وهب بن وهب مثله‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏الحدة تعتري حملة القرآن‏"‏‏.‏

يضع الحديث على ثقات المسلمين‏.‏

وقال أبو حاتم بن حِبَان الحافظ‏:‏ لا يحتجُ به بحالٍ‏.‏

وقال الدَارَقُطْنِيُّ‏:‏ متروكٌ‏.‏

وفي طريقه الثَاني‏:‏ الهيثم بن عَدِي، قال ‏[‏يحيى بن معين‏]‏‏:‏ كان يكذب‏.‏

وقال النَّسائيُ والرَازيَّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقال السَعديَّ‏:‏ ساقطٌ قد كشف قناعه‏.‏

وأمَّا الطَّريق الثَالث‏:‏ ففيه عمرو ‏[‏الأَعْسَم‏]‏، قال الدَّارَقُطْنيُ‏:‏ لم يروه عن فُلَيح غيره، وهو منكر الحديث‏.‏

وقال ابن حِبَان‏:‏ يروي عن الثقات المناكير، ويضع أسامي ‏[‏للمحدَّثين‏]‏، لا يجوز الاحتجاج به بحال‏.‏

وفي الطَّريق الرَابع‏:‏ وهب بن وهب، وكان من رؤساء الكذَّابين‏!‏ قال أبو بكر بن عيَّاش وابن المديني وأبو حاتم الرَازيَّ‏:‏ كان كذَّاباً‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ كان كذَّاباً يضع الحديث‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ كان كذَّاباً خبيثاً، كان عامةُ الليل يضع الحديث‏.‏

وقال عثمان بن أبي شيبة‏:‏ ذاك دجَال‏.‏

وقال السَعديَّ‏:‏ كان يكذب ويجسر‏.‏

وقال عمرو بن علي الفلاَّس‏:‏ كان يكذب ويحدَّث بما ليس له أصلٌ‏.‏

وقال الدَارَقُطَّنيُ‏:‏ كذَّابٌ متروك‏.‏

وأما حديث أنس‏:‏ ففيه سَوَادة‏:‏ وهو مجهولٌ‏.‏

وفيه‏:‏ علي بن هاشم، قال ابن حِبَان‏:‏ كان يروي المناكير عن المشاهير‏.‏

ز‏:‏ 50/أ- وروى الشَافعيُ‏:‏ ثنا إبراهيم بن محمَد عن صدقة بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر أنَّ عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال‏:‏ ‏[‏إنَّه‏]‏ يورث البرص‏.‏

وصدقة بن عبد الله‏:‏ ضعَّفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن نمير والبخاريَّ والنَّسائيُ والدَارَقُطْنِيُ وغيرهم، وقال عثمان الدَارميُ عن دحيم‏:‏ ثقة‏.‏

وقال أبو زرعة الدِّمشقيُ عن دحيم‏:‏ مضطرب الحديث، ضعيف‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ محلُه الصِّدق‏.‏

وقال الكنانيُ ‏[‏عن أبي حاتم‏]‏‏:‏ لا يحتجُ به‏.‏

50/ب- وروى الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو سهل بن زياد ثنا إبراهيم الحربي ثنا داود ابن رُشَيد ثنا إسماعيل بن عيَّاش حدَّثني صفوان بن عمرو عن حسَان بن أزهر أنَّ عمر بن الخطَّاب قال‏:‏ لا تغتسلوا بالماء المشمَس فإنَّه يورث البرص‏.‏

وقال أبو نصر بن الصبَّاغ في كتاب ‏"‏الشَّامل ‏"‏‏:‏ روي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة‏.‏

فذكر الحديث المتقدم‏!‏ وهذا غلط فاحشٌ، ولا يعرف هذا الحديث من رواية مالك أصلاَ بإسناد صحيح، ‏[‏قال البيهقيُ‏:‏‏]‏ روي بإسنادِ منكرِ عن ابن وهب عن مالك عن هشام ولا يصحُ O‏.‏

مسألة ‏(‏9‏)‏‏:‏ إذا مات في الماء ما ليس له نفسٌ سائلةٌ لم ينجس، خلافاً لأحد قولي الشَافعي‏.‏

لنا حديثان‏:‏

51- الحديث الأوَل‏:‏ قال البخاريَّ‏:‏ ثنا قتيبة ثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم عن ‏[‏عُبيد‏]‏ بن حُنين عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم، فليغمسه كلَّه ثم ليطرحه، فإنَّ في أحد جناحيه شفاءٌ، وفي الآخر داءٌ‏"‏‏.‏

لم يخرَّجه مسلم‏.‏

52- الحديث الثَاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنيُ‏:‏ حدثني محمَد بن حميد بن سهل ثنا أحمد بن ‏[‏أبي‏]‏ الأخيل الحمصيُ حدَثني أبي ثنا بقيَة حدثني سعيد بن أبي سعيد عن بشر بن منصور عن علي بن جُدْعان عن سعيد بن المسيَّب عن سلمان قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دمٌ، فماتت فيه، فهو حلالٌ أكلُه وشربُه ووضوءه‏"‏‏.‏

قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ لم يروه غير بقيَّة عن سعيد الزُّبيدي، وهو ضعيف‏.‏

وقال ابن عَدي‏:‏ سعيد مجهول، وعامَّة أحاديثه ليست بمحفوظة‏.‏

ز‏:‏ 53- وروى أبو سعيد الخدريَّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏في أحد جناحي الذباب سمّ والآخر شفاءٌ، فإذا وقع في الطَّعام فامْقُلوه فيه، فإنَّه يقدَّم السُّمَّ، ويؤخَّر الشفاء‏"‏‏.‏

رواه الإمام أحمد والنَسائيُ وابن ماجه- وهذا لفظه، وهو أتم-، ورواه أبو حاتم بن حِبَان البُسْتيُ‏.‏

مسألة ‏(‏10‏)‏‏:‏ آسار سباع البهائم نجسةٌ في إحدى الرَّوايتين‏.‏

و ‏[‏في‏]‏ الأخرى‏:‏ طاهرةٌ‏.‏

كقول مالكِ والشَافعي‏.‏

لنا‏:‏ حديث ابن عمر المتقدم‏:‏ ‏"‏إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً‏"‏‏.‏

احتجُّوا بأربعة أحاديث‏:‏ الحديث الأوَّل‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏الماء طهورٌ لا ينجَّسه إلا ما غيَّر لونه‏.‏ وقد تقدَّم- الحديث‏.‏

54- الحديث الثَاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ حدَثني الحسن بن أحمد بن صالح ثنا علي بن الحسن بن هارون البَلَديَّ ثنا إسماعيل بن الحسن الحرَّانيُ ثنا أيُوب بن خالد الحرَانيُّ ثنا محمَد بن عُلْوان عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فسار ليلاً، فمرُوا على رجلٍ جالسٍ ‏[‏عند‏]‏ مَقْرَاةٍ له، فقال عمر‏:‏ يا صاحب المقَراةِ، أَوَلغت السَّباع في مَقْرَاتِك‏؟‏ فقال له النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يا صاحب المقرَاة لا تخبره، هذا متكلفٌ‏!‏ لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شرابٌ وطهورٌ‏"‏‏.‏

قال ابن عَدي‏:‏ أيُوب بن خالد حدَث عن الأَوْزَاعي بالمناكير‏.‏

ز‏:‏ هذا حديثٌ منكرٌ، ومحمَد بن عُلْوان‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

وأيوب بن خالد‏:‏ قال الحاكم أبو أحمد‏:‏ لا يتابع في أكثر حديثه‏.‏

وقال القاسم ابن زكريا المُطَرَّز عن إبراهيم بن هانئ‏:‏ ثنا أيوب بن خالد الحرَّانيُ وكان ثقةً‏.‏

وذكره ابن حِبَان في ‏"‏الثّقات‏"‏‏.‏

وهذا الحديث رواه مالكٌ في ‏"‏الموطأ‏"‏ ‏[‏موقوفًا‏]‏ قال‏:‏ مرَّ عمر وعمرو بن العاص بحوضٍ، فقال عمرو‏:‏ يا صاحب الحوض، يرد على حوضك السّباع‏؟‏ فقال عمر‏:‏ يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنَا نَرِدُ عليها، وتَرِدُ ‏[‏علينا‏]‏‏.‏

وفي إسناده انقطاعٌ‏.‏

55- الحديث الثَالث‏:‏ قال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ ثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو سيَّار محمَد بن عبد الله بن المستورد حدثني أحمد بن عمرو بن ‏[‏السَّرح‏]‏ ثنا ابن وهب ثنا عبد الرَحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة قال‏:‏ سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحِياض التي تكون فيما بين مكَّة والمدينة، فقيل له‏:‏ إنَّ الكلاب والسباع تَرِدُ عليها‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شرابٌ وطهورٌ‏"‏‏.‏

‏[‏عبد الرَحمن‏]‏ بن زيد‏:‏ ضعيفٌ بإجماعهم، ضعَفه أحمد وعلي‏.‏

ز‏:‏ وقد روى هذا الحديث ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ من حديث أبي سعيد الخدريَّ، وفي إسناده عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم أيضاً، ولم يتَفقوا على تضعيفه، بل قال ابن عَدِي‏:‏ له أحاديث حسان، وصدَقه بعضهم، وهو ممَن يكتب حديثه O‏.‏

56- الحديث الرَابع‏:‏ قال الدارَقُطنيُ‏:‏ ثنا أبو بكر النَيسابوريَّ ثنا الرَبيع بن سليمان ثنا الشَافعيُ ثنا سعيد بن سالم عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحُصَين عن أبيه عن جابر قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله، أنتوضَأ بما أفضلت الحُمُر‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، وبما أفضلت السَّباع كلها‏"‏‏.‏

قال ابن حِبَّان‏:‏ داود بن الحُصَينْ حدَث عن الثقات بما لا يُشبه حديث الأثبات، تجب مجانبة روايته‏.‏

وقد روى هذا الحديث عنه رجلان‏:‏ إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال البخاريَّ‏:‏ عنده مناكير وقال النَّسائيُّ‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

وقال يحيى‏:‏ ليس بشيءَ‏.‏

والثَّاني‏:‏ إبراهيم بن أبي يحيى، وقد كذَّبه مالك ويحيى بن معين، وقال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ ‏[‏هو‏]‏ متروكٌ‏.‏

ز‏:‏ داود بن الحُصَنْ‏:‏ احتجَّ به البخاريُّ ومسلم في ‏"‏ صحيحيهما ‏"‏، ووثَقه يحيى بن معين وغيره، وقال أبو زرعة‏:‏ ليَّن‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ ليس بالقوي، ولولا أنَ مالكاَ روى عنه لتُرك حديثه‏.‏

وقال النَسائيُّ‏:‏ ليس به بأس‏.‏

وقال ابن عَدِي‏:‏ صالح الحديث‏.‏

وذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏الثقات ‏"‏ أيضاً، وقال‏:‏ كان يذهب مذهب الشَراة، وكل من تَرك حديثَه على الإطلاق وهم، لأَنه لم يكن داعية إلى مذهبه، والدُعاة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال، فأمَّا من انتحل بدعةَ فلم يدع إليها وكان متقنَا كان جائز الشَهادة ‏[‏محتجًا‏]‏ بروايته، فإن وجب ترك حديثه وجب ترك حديث عكرمة‏!‏ لأَنه كان يرى مذهب الشَراة مثله‏.‏

وحصن وَالد داود-‏:‏ قال البخاريَّ وأبو حاتم‏:‏ حديثه ليس بالقائم‏.‏

زاد أبو حاتم‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

وقال ابن حِبَان‏:‏ اختلط في آخر عمره حتَى كان لا يدري ما يحدث به، واختلط حديثه القديم بحديثه الأخير فاستحق التَرَّك‏.‏

وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة‏:‏ وثَّقه الإمام أحمد، وقال عثمان ابن سعيد عن يحيى‏:‏ صالحٌ، يكتب حديثه ولا يحتجُ به‏.‏

وقال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ متروكٌ‏.‏

وقال ابن عَدي‏:‏ هو صالحٌ في باب الرواية، ويكتب حديثه مع ضعفه‏.‏

وسعيد بن سالم القَدَاح‏:‏ شيخٌ صدوقٌ أكثر عنه الشَافعيُ، ووثَقه يحيى بن معين، وقال عثمان الدَارميُ‏:‏ ليس بذاك‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ صدوقٌ‏.‏

وقال ابن عَدي‏:‏ حسن الحديث، وأحاديثه مستقيمة‏.‏

وإبراهيم بن أبي يحيى‏:‏ تقدَّم بعض الكلام ‏[‏عليه‏]‏ في الماء المشمَّس، والله أعلم‏.‏

مسألة ‏(‏11‏)‏‏:‏ البغل والحمار نجسان، وكذلك جوارح الطَّير‏.‏

وقال مالك والشَافعيُ‏:‏ طاهرة‏.‏

57- ما روى البخاريَّ‏:‏ ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَاد بن زيد عن عمرو عن محمَد بن علي عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر عن لحوم الحُمُر الأهليَة، ورخَّص في الخيل‏.‏

58- وقال النَسائيُ‏:‏ أنا محمَّد بن عبد الله بن ‏[‏يزيد‏]‏ ثنا سفيان عن أيُّوب عن محمَد عن أنس قال‏:‏ أتانا منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحُمُر فإنها رجسٌ‏"‏‏.‏

59- وقال أبو بكر عبد العزيز بن جعفر‏:‏ ثنا الخلاَّل ثنا علي بن جابر ثنا فزارة ثنا أبو مالك ‏[‏الجنبيُ‏]‏ عن جُويبِر عن الضَحاك عن ابن عبَاس قال‏:‏ كنت رِدْف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمار له فأصاب ثوبي من عرقه، فأمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أغسله‏.‏

جويبر‏:‏ ليس بشيءٍ، والضَحَاك‏:‏ لم يلق ابن عبَاس‏.‏

احتجَّ الخصم‏:‏ بقوله‏:‏ أنتوضَأ بما أفضلت الحُمُر‏؟‏‏.‏

وقد تقدَم في المسألة قبلها‏.‏

مسألة ‏(‏12‏)‏‏:‏ الكلب والخنزير نجسان، وسؤرهما نجسٌ‏.‏

وقال مالك وداود‏:‏ طاهران‏.‏

لنا ثلاثة أحاديث‏:‏

60- الحديث الأوَل‏:‏ قال البخاريَّ‏:‏ ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعاً‏"‏‏.‏

ورواه مسلم‏.‏

61- طريقٌ آخر‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا يزيد ثنا هشام بن حسَان عن محمَد عن أبي هريرة عن النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا ولغ الكلب في إناء، غُسل سبع مرات أولاهنَّ بالتراب‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

62- طريق آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو بكر النيسابوريَّ ثنا محمَد بن يحيى ثنا إسماعيل بن الخليل ثنا عليُ بن مُسْهِر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رَزين عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله سبع مرَّات‏"‏‏.‏

قال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ إسنادُه حسن، ورواتُه كلُّهم ثقات‏.‏

ز‏:‏ رواه مسلم عن علي بن حُجْر عن ابن مُسْهِر، ولفظه‏:‏ ‏"‏فليرقه، ثم ليغسله سبع مرَّات‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثني محمد بن الصَبَّاح ثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، ولم يقل فيه‏:‏ فليرِقْهُ O‏.‏

63- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي التياح قال‏:‏ سمعت مُطَرفاً يحدَّث عن عبد الله بن مُغَفل عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال في الإناء- إذا ولغ فيه الكلب-‏:‏ ‏"‏اغسلوه سبع مرَّات، وعفروه الثَّامنة بالتُراب‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه البخاريُّ‏.‏

ز‏:‏ لم يخرج هذا الحديث البخاريُّ، وإنَّما أخرجه مسلم O‏.‏

64- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا محمَّد بن أحمد بن زيد الحِنَّائيُ ثنا محمود بن محمَّد المروزيُّ ثنا الخَضِر بن أصرم ثنا الجارود عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرَّات، إحداهنَّ بالبطحاء‏"‏‏.‏

فإن قالوا‏:‏ قد رواه أبو هريرة فقال‏:‏ ثلاثاً أو خمساً‏.‏

قلنا‏:‏ سيأتي جوابه في المسألة بعدها‏.‏

ز‏:‏ محمود بن محمَد المروزيَّ‏:‏ ذكره الخطيب في ‏"‏التَاريخ ‏"‏ وحسَن حاله‏.‏

والخَضِر بن أصرم‏:‏ ليس هو بالمشهور، ولم يذكره ابن حِبَان في كتابه‏.‏

والجارود‏:‏ هو ابن يزيد أبو علي العامريَّ النَيسابوريَّ، كذَّبه أبو أسامة وأبو حاتم الرَازيَّ، وقال البخاريَّ‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ غير ثقة‏.‏

وقال النَسائيُ والدَارَقُطَّنِيُ‏:‏ متروكٌ‏.‏

وهبيرة‏:‏ قال فيه أبو حاتم الرَازيَّ‏:‏ شبيهٌ بالمجهولين‏.‏

وقال ابن خِراش‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

والله أعلم‏.‏

احتجُوا‏:‏ بالحديث المتقدم‏:‏ سئل عن حياضٍ تردها الكلاب والسَّباع وقد سبق هذا‏.‏

مسألة ‏(‏13‏)‏‏:‏ يجب العدد في الولوغ سبعاً، وبه قال الشَافعيُ ومالك‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجب العدد، بل تعتبر غلبة الظَّن‏.‏

لنا‏:‏ قوله عليه الصَلاة والسَلام‏:‏ ‏"‏فليغسله سبعاً ‏"‏ وقد تقدَم احتجُّوا‏:‏ 65- بما رواه الدَارَقُطْنيُ‏:‏ ثنا جعفر بن محمَد بن نصير ثنا الحسن بن علي المعمريَّ ثنا عبد الوهَاب بن الضحَاك ثنا إسماعيل بن عيَاش ‏[‏عن‏]‏ هشام بن عروة عن أبي الزَّناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكلب يلغ في الإناء- أَنَّه يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً‏.‏

والجواب‏:‏

قال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ تفرَد به عبد الوهَاب، وهو متروك الحديث‏.‏

وإسماعيل بن عيَّاش‏:‏ ضعيف، قال أبو حاتم بن حِبَان‏:‏ لا يحتجُ بحديثه‏.‏

و ‏[‏قد رواه‏]‏ الدَارَقُطْنِيُ عن أبي هريرة موقوفاً أنَه قال‏:‏ يغسل ثلاثاً‏.‏

ثم قال‏:‏ لم يروه غير عبد الملك عن عطاء، والصَحيح ‏"‏ سبع مرَات‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ فقد رفعه حسين الكرابيسيُ‏.‏

قلنا‏:‏ لم يرفعه غيره، ولا يحتجُ بحديثه‏.‏

ز‏:‏ حسين الكرابيسيُ‏:‏ فقيهٌ صاحب تصانيف، قال فيه الأزديَّ‏:‏ ساقط لا يرجع إلى قوله‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ حديثه يعزُّ جداً، لأنَ أحمد ‏[‏بن حنبل‏]‏ يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ‏.‏

وقال ابن عَدِي- بعد أن روى هذا الحديث من رواية حسين الكرابيسيِّ عن إسحاق الأزرق عن عبد الملك مرفوعًا-‏:‏ والحسين الكرابيسيُ له كتبٌ مصنفةٌ، وذكر فيها اختلاف النَاس في المسائل وكان حافظاً لها، وذكر في كتبه أخباراً كثيرة، ولم أجد له منكراً غير ما ذكرت من الحديث؛ والذي حمل أحمد بن حنبل عليه من أجل اللفظ في القرآن، وأمَا في الحديث فلم أجد به بأسَا O‏.‏

مسألة ‏(‏14‏)‏‏:‏ يجب غسل الأنجاس سبعَا، خلافَا لهم في قولهم‏:‏ لا يجب العدد‏.‏

فأبو حنيفة‏:‏ يعمُّ جميع النَجاسات‏.‏

والشَّافعيُّ‏:‏ يوجب العدد في نجاسة الكلب والخنزير، ويسقطه فيما عدا ذلك‏.‏

ومالك‏:‏ يوجب العدد في الولوغ تعبداً، ولا يعتبر العدد في النَّجاسات‏.‏

لنا‏:‏ الحديث المتقدَّم، وأنَه أمر في الولوغ بسبعِ‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 66- بما رواه أحمد‏:‏ ثنا حسين بن محمَد ثنا أيوب بن جابر عن عبد الله ابن عِصْمَة عن ابن عمر قال‏:‏ كانت الصَلاة خمسين، والغسلُ من الجنابة سبعَ مرار، والغسلُ من البول سبعَ مرار؛ فلم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسأل حتَى جُعلت الصَلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرَةً، والغسل من البول مرَةً‏.‏

والجواب‏:‏ أمَا عبد الله بن عصمة‏:‏ فإنَ شريك بن عبد الله يقول‏:‏ ابن عُصم‏.‏

قال ابن حِبَان‏:‏ هو منكر الحديث، يحدث عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، حتَى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة‏.‏

وأمَا أيُوب بن جابر، فقال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيء‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ واهي الحديث‏.‏

وقال النَسائيُ‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث‏:‏ أبو داود والطَبرانيُ وقال‏:‏ لم يروه عن ابن عمر إلا عبد الله بن عُصم، تفرَد به أيُوب بن جابر‏.‏

وعبد الله بن عُصم- ويقال‏:‏ ابن عِصْمَة-‏:‏ أبو عَلْوان الحنفيُ ‏[‏العِجليُ‏]‏، حديثه في أهل الكوفة، وثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة‏:‏ ليس به بأسٌ‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ شيخ‏.‏

وذكره ابن حِبَان في ‏"‏الثِّقات ‏"‏ أيضاً وقال‏:‏ يخطئ كثيَراً‏.‏

وقال ابنُ عَدِي‏:‏ له أحاديث أنكرتها‏.‏

وأيُوب بن جابر، قال أحمد‏:‏ يشبه حديثه حديث أهل الصِّدق‏.‏

وقال أحمد بن عصام الأصبهانيُ‏:‏ كان عليُ بن المدينيِّ يضع حديث أيُوب بن جابر‏.‏

وقال الفلاَس‏:‏ صالحٌ‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ ضعيف الحديث‏.‏

وقال ابنُ عَدِىِّ‏:‏ أحاديثُه متقاربةٌ، يحمل بعضها بعضَا، ‏[‏وهو‏]‏ ممَن يكتب حديثه O‏.‏

مسألة ‏(‏15‏)‏‏:‏ غُسَالَةُ النَجاسة إذا انفصلت غير متغيرة بعد طهارة المحل فهي طاهرة، وكذلك البول على الأرض ونحوه إذا كوثر بالماء ولم يتغيرَ الماء فإنَه يحكم بطهارة الماء ‏[‏والمكان‏]‏، وهو قول مالك والشَافعي‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ ذلك نجس‏.‏

ويتخرَّج لنا ‏[‏نحوه‏]‏‏.‏

لنا‏:‏ حديث الأعرابي‏:‏ ‏"‏صبُّوا على بول الأعرابي ذَنوباً من ماء ‏"‏- وقد سبق إسناده-، ولو كان نجساَ لكان أمراَ بزيادة تنجيس المسجد‏!‏ احتجُّوا بثلاثة أحاديث‏:‏ 67- الأوَل‏:‏ قال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ ثنا محمَّد بن مخلد ثنا أبو داود السجستانيُ ثنا موسى بن إسماعيل ثنا جرير بن حازم قال‏:‏ سمعت عبد الملك بن عمير يحدث عن عبد الله بن مَعْقِل بن مُقرن قال‏:‏ قام أعرابيّ إلى زاويةِ من زوايا المسجد فاكتشف، فبال فيها، فقال النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏خذوا ما بال عليه من التُّراب فألقوه، وأهويقوا على مكانه ماءً‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ عبد الله بن مَعقِل تابعيٌ، فهو مرسلٌ‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ هذا حديث منكرٌ‏.‏

قال أبو داود السجستانيُ‏:‏ وقد روي مرفوعَا ولا يصحُ‏.‏

68- الحديث الثَاني‏:‏ قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا عبد الوهَّاب بن عيسى بن أبي حَيَّة ثنا أبو هشام الرَّفاعيُ محمَد بن يزيد ثنا أبو بكر بن عيَّاش ثنا سَمْعان بن مالك عن أبي وائل عن عبد الله قال‏:‏ جاء أعرابيٌ فبال في المسجد، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه فاحتفر، وصُبَ عليه دلوٌ من ماءَ‏.‏

قال أبو زرعة‏:‏ هذا ‏[‏الحديث‏]‏ منكرٌ، وسَمْعان ليس بالقوي‏.‏

قلت‏:‏ وأبو هشام الرَّفاعيُ‏:‏ ضعيف، قال البخاريَّ‏:‏ رأيتُهم مجمعين على ضعفه‏.‏

وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم‏:‏ لا أصل لهذا الحديث‏.‏

69- الحديث الثَالث‏:‏ رواه ‏[‏أبو‏]‏ محمَد بن صاعد عن عبد الجبار ابن العلاء عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس أن أعرابياً بال في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوباً من ماء‏"‏‏.‏

قال الدارَقُطْنيُ‏:‏ وهم عبد الجبَار على ابن عيينة، لأنَ أصحاب ابن عيينة ‏[‏الحفاظ‏]‏ رووه عنه عن يحيى بن سعيد فلم يذكر أحد منهم ‏[‏الحفر‏]‏؛ وإنَما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار عن طاوس أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏احفروا مكانه ‏"‏ مرسلاً، واختلط على عبد الجبَار المتنان‏.‏

مسألة ‏(‏16‏)‏‏:‏ لا يكره سُؤر الهر‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يكره‏.‏

لنا حديثان‏:‏ 70- أحدها‏:‏ عن ‏[‏أبي‏]‏ قتادة، قال أحمد‏:‏ ثنا إسحاق بن عيسى أخبرني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة عن كَبشَة ابنة كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة- أنَّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وَضُوءَ، فجاءت هرَة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتَى شربت، قالت كبشة‏:‏ فرآني أنظر إليه فقال‏:‏ أتعجبين يا ابنة أخي‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ إنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنها ليست بنجس، إنها من الطوَّافين عليكم والطوَّافات‏"‏‏.‏

قال الترمذيَّ‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

ز‏:‏ وروى هذا الحديث أيضاً‏:‏ أبو داود والترمذيَّ وابن ماجه والنَسائيُ، ولفظ الترمذي‏:‏ ‏"‏إنَّما هي من الطَّوافين عليكم- أو الطَوافات-‏"‏‏.‏

وأخرجه أبو بكر بن خزيمة وأبو حاتم بن حِبَان في ‏"‏صحيحيهما‏"‏، وقال البخاريَّ‏:‏ جوَّد مالك بن أنس هذا الحديث، وروايته أصحُّ من رواية غيره‏.‏

وقد ذكر نحو ذلك الترمذي في ‏"‏جامعه‏"‏ ولم ينسبه للبخاري‏.‏

ورواه الدَارَقُطْنِيُ وقال‏:‏ إسناد حسن، ورواته ثقاتٌ معروفون‏.‏

ورواه الحاكم في ‏"‏المستدرك ‏"‏ وقال‏:‏ هذا حديثٌ صحيح ولم يخرجاه، على أنهما على ما أصلاه في تركه، غير أنهما قد شهدا جميعاَ لمالك بن أنس أَنه الحكم في حديث المدنيين، وهذا الحديث مما صحَحه مالكٌ واحتجَ به في ‏"‏الموطأ‏"‏، ومع هذا فإن له شاهداَ بإسناد صحيحِ‏.‏

ثم ساقه من حديث سليمان بن مُسافع O‏.‏

71- الحديث الثَاني‏:‏ عن عائشة رضي الله عنها، قال الدَّارقطني‏:‏ ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَد بن إدريس أبو حاتم ثنا محمَد بن عبد الله بن أبي جعفر الرَّازيَّ ثنا سليمان بن مُسافع الحَجَبيُّ عن منصور بن صَفِيَة عن ‏[‏أمه‏]‏ عن عائشة أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّها ليست بنجس، هي كبعض أهل البيت‏"‏‏.‏

يعني الهرَ‏.‏

72- قال الحسن بن إسماعيل‏:‏ ثنا محمَد بن إسحاق ثنا محمَد بن عمر ‏[‏‏]‏ ثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن عروة عن عائشة عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَه كان يصغي إلى الهرَة الإناء حتَى تشرب، ثم يتوضَّأ بفضلها‏.‏

ز‏:‏ قال الدَارَقُطْنيُ في هذا الحديث‏:‏ إسناد حسن‏.‏

ورواه الحاكم وصحَحه، وسليمان بن مُسافع‏:‏ ‏[‏لا يعرف و‏]‏ لم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقد ذكره العقيليُ في كتاب ‏"‏الضُعفاء‏"‏ وروى هذا الحديث في ترجمته، وقال‏:‏ لا يتابع عليه‏.‏

وروى هذا الحديث ابن خزيمة في ‏"‏صحيحه‏"‏ من طريقه‏.‏

وفي الإسناد الثَاني‏:‏ الواقديَّ، وهو ضعيف‏.‏

73- وروى داود بن صالح بن دينار التَمار عن ‏[‏أُمه‏]‏ أنَ مولاتها أرسلتها إلى عائشة بهريسة فوجدتها تصلي، فأشارت إليَّ أن ضعيها فجاءت هرَة فأكلت منها، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرَّة، فقالت‏:‏ ‏[‏إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّها ليست بنجس، إنَّما هي من الطَوافين عليكم‏"‏‏.‏

وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بفضلها‏]‏‏.‏

رواه أبو داود والدَارَقُطْنيُ وقال‏:‏ رفعه الدَرَاوَرْدِيَّ عن داود بن صالح، ورواه عنه هشام بن عروة فوقفه على عائشة‏.‏

74- وقال الخطيب في ‏"‏التَاريخ ‏"‏‏:‏ أنا عليُ بن يحيى بن جعفر الإمام- بأصبهان- ثنا سليمان بن أحمد الطبرانيُ ثنا عمر بن حفص السَدوسيُ ثنا سلم ابن المغيرة الأزديَّ ثنا مصعب بن ماهان ثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ توضأ ‏[‏ت أنا و‏]‏ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناءٍ واحدٍ قد أصابته الهِرُ قبل ذلك‏.‏

قال الخطيب‏:‏ تفرَد برواية هذا الحديث عن سفيانَ الثَوري مصعبُ ابن ‏[‏ماهان‏]‏، ولم أره إلا من حديث ‏[‏سلم بن‏]‏ المغيرة ‏[‏عنه‏]‏‏.‏

ورواه عبد الله بن وهب عن الثَوري عن حارثة بن أبي الرَّجال عن عمرة عن عائشة‏.‏

ورواه مؤمَّل بن إسماعيل وعمرو بن محمَد بن أبي رزين عن الثَوري عن أبي الرَّجال عن أُمه عمرة عن عائشة‏.‏

أنا البرقانيُ قال‏:‏ قال لنا أبو الحسن الدَارَقطنيُّ‏:‏ سلم بن المغيرة يكنى أبا حنيفة، وهو بغداديّ، ليس بالقوي‏.‏

75- وقال البيهقيُ‏:‏ أبنا أبو سعيد الخطيب أنا أبو بحر البَربَهاريَّ ثنا بشر بن موسى ثنا الحميديَّ ثنا سفيان ثنا الرُكَيْنْ بن الرَبيع عن عمَةٍ له- يقال لها‏:‏ صفية بنت عميلة- أن الحسين بن علي سُئل عن سؤر الهرة، فلم ير به بأساً‏.‏

75/أ- وعن عائشة أنها قالت‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمرُ به الهرٌةُ، فيصغي لها الإناء، فتشرب، ثم يتوضأُ بفضلها‏.‏

‏[‏‏]‏ رواه الدَارَقُطْنيُ أيضاً من رواية‏:‏ عبد الله بن سعيد المقبري، قال‏:‏ ‏[‏وهو‏]‏ ضعيفٌ‏.‏

وقال ابن معين‏:‏ ليس بشيء‏.‏

وقال احتجُّوا‏:‏ 76- بما رواه التِّرمذيُّ‏:‏ ثنا سَوَّار بن عبد الله العنبريَّ ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أيُوب عن محمَد بن سيربن عن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏يُغسل الإناء إذا ولغ الكلب فيه سبع مرَّات، وإذا ولغت الهرة غُسل مرةً‏"‏‏.‏

77- طريق آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو بكر النَّيسابوريَّ ثنا حمَّاد ابن الحسن وبكَّار بن قتيبة قالا‏:‏ ثنا أبو عاصم ‏[‏ثنا‏]‏ قُرَة بن خالد ثنا محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏طُهور الإناء إذ ولغ فيه الكلب‏:‏ يغسل سبع مرَّات، الأولى بالتُّراب؛ والهرَة مرةً- أو مرَتين- ‏"‏ قُرَة شك‏.‏

78- طريق آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا عليُ بن محمَد المصريَّ ثنا رَوْح بن الفرج ثنا سعيد بن عُفَيرْ ثنا يحيى بن أيُوب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يُغسل الإناء من الهر كما يغسل من الكلب‏"‏‏.‏

79- طريق آخر‏:‏ قال العُقَيْليُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن زكريا البلخيُ ثنا محمَد بن أبان ومحمَد بن الصبَّاح قالا‏:‏ ثنا وكيع ثنا عيسى ‏[‏بن المسيَّب‏]‏ عن أبي زُرعة عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر الهرَّة- وقال‏:‏ ‏"‏هي سَبُع‏"‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذه الأحاديث لا تصحُ‏.‏

أمَا الأوَل‏:‏ ففيه سَوَار، قال سفيان الثَّوريَّ‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وأمَّا الثَاني والثَالث‏:‏ فلا يصحُ رفعُهما، قال الدَارَقُطْنيُّ‏:‏ أمَّا حديث أبي عاصم فقد رواه غيره في ولوغ الهر موقوفاً، والصَّحيح قول من وقفه عن أبي هريرة في الهر خاصةً‏.‏

قال‏:‏ ولا يصحُ الحديث الآخر عن أبي صالح‏.‏

وأمَّا حديث أبي زرعة‏:‏ ففيه عيسى، قال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال العُقَيْليُّ‏:‏ لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه‏.‏

وقال أبو حاتم ابن حِبَّان‏:‏ يقلب الأخبار ولا يعلم، ويُخطئ ولا يفهم، حتَى خرج عن حد الاحتجاج به‏.‏

وقد اختلفت الرواية عن أبي هريرة نفسِه‏:‏ فروى عنه ابن سيرين أنَه يُغسل الإناء من ولوغ ‏[‏الهر‏]‏ مرَّة، وفي لفظٍ‏:‏ مرَّتين‏.‏

وروى عنه سعيد بن المسيَب‏:‏ مرَتين أو ثلاثاً‏.‏

وروى عنه عطاء‏:‏ سبع مرَات‏.‏

ز‏:‏ تضعيف المؤلف للطَريق الأوَل ‏(‏بأن سفيان قال في سَوَار‏:‏ ليس بشيء‏)‏ وهمَّ فاحشٌ، لأن قول سفيان إنَما هو في جد شيخ الترمذي، وشيخ الترمذي هو‏:‏ سَوَار بن عبد الله بن سَوَار ‏[‏بن عبد الله التميميُ العنبريَّ‏]‏، أبو عبد الله البصريَّ، القاضي بن القاضي بن القاضي، روى عن يحيى القطَان وجماعة، وروى عنه أبو داود والترمذيَّ والنَسائيُ وخلقٌ، قال أحمد بن حنبل‏:‏ ما بلغني عنه إلا خيراً‏.‏

وقال النَسائيُ‏:‏ ثقةٌ‏.‏

وذكره ابن حِبَان في كتاب ‏"‏الثَقات‏"‏‏.‏

لكنَ علَة الحديث أنَ مسدداً رواه عن معتمر فوقفه، رواه عنه أبو داود‏.‏

وقال البيهقيُ‏:‏ أدرجه بعض الرُّواة في حديثه عن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهموا فيه؛ والصَّحيح أنَّه في ولوغ الكلب ‏[‏مرفوع‏]‏، وفي ولوغ الهر موقوف‏.‏

وقال الترمذيَّ‏:‏ وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر فيه‏:‏ إذا ولغت فيه الهرُ غسل مرَةً‏.‏

‏[‏و‏]‏ قال الدَارَقُطنيُ في الطريق الثَّاني‏:‏ قال أبو بكر- يعني النَيسابوريَّ-‏:‏ كذا رواه أبو عاصم مرفوعاً، ورواه غيره عن قُرَة‏:‏ ولوغ الكلب مرفوعاً، وولوغ الهر ‏[‏موقوفاً‏]‏‏.‏

80- ثم قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو بكر ثنا أحمد بن يوسف السلميُ وإبراهيم بن هانئ قالا‏:‏ ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا قُرَة عن محمَد بن سيرين عن أبي هريرة- في الهرِّ يلغ في الإناء- قال‏:‏ اغسله مرَة أو مرَتين‏.‏

وكذلك ‏[‏رواه‏]‏ أيُّوب عن محمَد عن أبي هريرة موقوفاً‏.‏

81- وروى الطَريق الثَّالث موقوفاً على أبي هريرة أيضاً فقال‏:‏ ثنا أبو بكر النَيساريُّ ثنا ‏[‏علاَّن‏]‏ بن المغيرة ثنا ابن أبي مريم ثنا يحيى بن أيُوب قال‏:‏ أخبرني خير بن نُعيم عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة قال‏:‏ يغسل الإناء من الهرَ كما يغسل من الكلب‏.‏

قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ هذا لا يثبت عن أبي هريرة، ويحيى بن أيُوب‏:‏ في بعض أحاديثه اضطراب‏.‏

وحديث‏:‏ ‏"‏السنَّور سَبُع ‏"‏‏:‏ رواه الإمام أحمد والدَارَقُطْنيُّ، وقال‏:‏ تفرَد به عيسى بن المسيَب، وهو صالح الحديث‏.‏

ورواه الحاكم وقال‏:‏ صحيح، وعيسى صدوق لم يجرح قط‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ عيسى ضعيف‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ ليس بالقوي‏.‏

والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏17‏)‏ - جلود الميتة لا تطهر بالدَباغ

وقال أبو حنيفة والشَافعيُّ‏:‏ تطهر لنا أحاديث‏:‏ أشهرها حديث ابن عُكَيم‏:‏

82- قال أحمد‏:‏ ثنا خلف بن الوليد ثنا عبَاد بن عبَّاد ثنا خالد الحذَّاء عن الحكم بن عُتيبة عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكَيم قال‏:‏ أتانا كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا غلامٌ شاب- قبل موته بشهرِ أو شهرين‏:‏ ‏"‏أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب‏"‏‏.‏

ز‏:‏ وروى هذا الحديث‏:‏ أبو داود والنَسائي وابن ماجه وأبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ والترمذيَّ وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ إسناد جيد، يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكيم‏.‏

وقال مَرَة‏:‏ ما أصلح إسناده‏.‏

ورواه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطَّبراني في ‏"‏معجمه الأوسط‏"‏، قال‏:‏ كتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن في أرض جهينة-‏:‏ ‏"‏إني كنت رخَّصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عَصَب‏"‏‏.‏

وهو من رواية فَضَالة بن مُفَضَل بن فَضَالة المصري، قال أبو حاتم الرَازيَّ‏:‏ لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم‏.‏

وعن عبد الله بن عُكيم قال‏:‏ ثنا مشيخةٌ لنا من جهينة أنَ النَبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إليهم‏:‏ ‏"‏ ‏[‏أن‏]‏ لا ينتفعوا من الميتة بشي‏؟‏‏"‏‏.‏

رواه البخاريَّ في ‏"‏تاريخه ‏"‏، وأبو حاتم بن حِبَان في ‏"‏صحيحه‏"‏‏.‏

وقال الترمذيَّ‏:‏ سمعت أحمد بن الحسن يقول‏:‏ كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث، لما ذكر فيه‏:‏ ‏(‏قبل وفاته بشهرين‏)‏‏.‏

وكان يقول‏:‏ هذا آخر أمر النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثمَّ ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده، حيث روى بعضهم فقال‏:‏ عن عبد الله بن عكيم عن أشياخِ من جهينة‏.‏

هكذا روى الترمذيَّ عن أحمد، وهو خلاف المشهور المستفيض عنه‏.‏

83- وروى الحافظ الضياء في ‏"‏المختارة‏"‏ من حديث أبي عبد الله محمَد ابن مسلم بن وارة ثنا يحيى بن صالح- هو ‏[‏الوُحَاظيُ‏]‏- ثنا عياض بن يزيد ثنا عبد الرَحمن بن نُباتة قال‏:‏ سمعت ابن عمر يقول‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُنتفع من الميتة بعَصَبٍ أو إهابٍ‏.‏

ذكر ابن أبي حاتم‏:‏ عياض بن يزيد الكلبيَّ عن عبد الرَحمن بن نُباتة، وعنه يحيى بن صالح ‏[‏الوُحَاظيُ‏]‏، ولم يذكر فيه جرحَا O‏.‏

84- الحديث الثَاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا إسماعيل ثنا ‏[‏سعيد‏]‏ عن قتادة عن أبي المَلِيح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن جلود السباع‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والنَسائيُ والحاكم وصحَحه، ‏[‏و‏]‏ الترمذيَّ وزاد‏:‏ أن تفترش‏.‏

85- وعن خالد بن معدان قال‏:‏ وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية، فقال له‏:‏ أنشدك الله، هل تعلم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس جلود السّباع والرُّكوب عليها‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

رواه أبو داود والنَّسائيُ، وهذا لفظه‏.‏

86- وعن أبي ريحانة رضي الله عنه قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ركوب النُّمور‏.‏

رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنَسائيُّ‏.‏

87- وروى الإمام أحمد وأبو داود والنَسائيُّ عن معاوية أن النَبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ نهى عن ركوب النّمار‏.‏

88- وعن المقدام بن معدي كرب قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحرير والذهب و ‏[‏مياثر‏]‏ النُّمور‏.‏

رواه أحمد والنَسائيُ‏.‏

89- وعن أبي هريرة عن النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا تصحبُ الملائكةُ رفقةَ فيها جلدُ نمرٍ‏"‏‏.‏

رواه أبو داود O‏.‏

90- الحديث الثَالث‏:‏ رواه أصحابنا من حديث جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا ينتفع من الميتة بشيء‏"‏‏.‏

ز‏:‏ قال صاحب ‏"‏المغني ‏"‏‏:‏ رواه أبو بكر الشَافعيُّ بإسناده عن أبي الزُّبير عن جابر، وإسناده حسن‏.‏

وقد رواه ابن وهب في ‏"‏مسنده ‏"‏ عن زمعة بن صالح عن أبي الزُبير عن جابر ولفظه‏:‏ ‏"‏لا تنتفعوا بشيء من الميتة- أو لا تنتفعوا بالميتة-‏"‏‏.‏

وزمعة فيه كلام، وللحديث علَةٌ ذكرها ابن مُفَوَز وغيره، وقد تقدِّم من حديث ابن عُكيم أيضاً O‏.‏

احتجَّ الخصم بأحاديث‏:‏ 91- الحديث الأوَل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمَّد بن مصعب ثنا الأَوْزَاعِيُ عن الزُّهريِّ عن عبيد الله ‏[‏بن عبد الله‏]‏ عن ابن عبَاس قال‏:‏ مرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاةٍ ميتة، فقال‏:‏ ‏"‏ألا استمتعتم بجلدها‏؟‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، إنَها ميتة‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏إنَّما حرَّم أكلها‏"‏‏.‏

أخرجه البخاريَّ ومسلم في ‏"‏الصَحيحين‏"‏‏.‏

92- طريق آخر لهذا الحديث‏:‏ قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو بكر النَيسابوريَّ ثنا إبراهيم بن هانئ ثنا عمرو بن الرَبيع بن طارق ثنا يحيى بن أيُوب عن عُقيل عن الزُهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَاس أنَ النَبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَ بشاةِ ميتةِ، فقال‏:‏ ‏"‏هلا انتفعتم بإهابها‏؟‏‏!‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، إنَها ميتةٌ‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏إنَما حرَّم أكلها، أوَليس في الماء والقَرَظ ما يطهِّرها‏؟‏‏!‏‏"‏‏.‏

93- قال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ وأنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو عتبة الحمصيُ ثنا بقيَة بن الوليد قال‏:‏ حدَثني الزبيديَّ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَاس أنَ النَبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَ بشاةِ قد نَفَقَت، فقال‏:‏ ‏"‏ألا استمتعتم بجلدها‏؟‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، إنَها ميتةٌ، قال‏:‏ ‏"‏إنَ دباغَها ذكاتُها‏"‏‏.‏

94- قال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ وثنا ابن صاعد ثنا أحمد بن أبي بكر المقدميُ ثنا محمَد بن كثير العبديَّ ثنا سليمان بن كثير ثنا الزهريَّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَاس عن النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل الحديث الذي قبله، وقال‏:‏ ‏"‏دباغ إهابها طهورُها‏"‏‏.‏

95- قال الدَّارَقُطنيُ‏:‏ وثنا ابن صاعد ثنا هلال بن العلاء ثنا عبد الله بن جعفر ثنا عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن راشد عن الزهري بمثل الحديث الذي تقدَّم، وقال فيه‏:‏ ‏"‏إنَما حُرم عليكم لحمها، ورُخص لكم في مَشكها‏"‏‏.‏

قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ هذه أسانيد صحاح‏.‏

96- الحديث الثَاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن ابن وَعْلة عن ابن عبَاس قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏أيما إهاب دبغ فقد طهر‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلم‏.‏

97- طريق آخر‏:‏ قال الدَارَقُطْنيُ‏:‏ ثنا البغويَّ ثنا محمَد بن بكَار ثنا فُليح بن سليمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرَحمن بن وَعْلة عن ابن عبَاس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏دباغ كل إهاب طهوره‏"‏‏.‏

ز‏:‏ زعم بعضهم أن حديث ابن وَعْلة متفقٌ عليه‏:‏ وليس كذلك، بل انفرد بإخراجه مسلم، ولفظه‏:‏ ‏"‏إذا دبغ الإهاب فقد طهر‏"‏‏.‏

ولفظ أحمد والتَّرمذيَّ وغيرهما‏:‏ ‏"‏أيما إهاب دبغ فقد طهر‏"‏‏.‏

98- ولمسلم عن عبد الرَحمن بن وَعْلة قال‏:‏ سألت عبد الله بن عبَاس، قلت‏:‏ إنَّا نكون بالمغرب- ومعنا البربر والمجوس- نؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ‏[‏ذبائحهم‏]‏، ونؤتى بالسقاء يجعلون فيه الودك‏؟‏ فقال ابن عبَاس‏:‏ قد سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال‏:‏ ‏"‏دباغه طهوره‏"‏‏.‏

99- وعن ابن عبَاس أنَّ سودة زوج النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت‏:‏ ماتت لنا شاة فدبغنا مَسْكها، ثُمَّ ما زلنا ننبذ فيه حتَى صار شَنًّا‏.‏

رواه البخاريَّ O‏.‏

100- الحديث الثَالث‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا بهز ثنا همَام ثنا قتادة عن الحسن ‏[‏عن‏]‏ جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المُحبَّق أنَه كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك فأتى على بيتِ قُدَّامه قِربة معلقة، فسأل الشَراب، فقيل‏:‏ إنَّها ميتة‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ذكاتها ‏[‏دباغها‏]‏‏"‏‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ جون لا يعرف‏.‏

ز‏:‏ جون‏:‏ هو ابن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم التَميميُ ثمَّ العبشميُّ البصريَّ، يقال‏:‏ أنَّ له صحبة، ولم يثبت ذلك، روى عن الزبير بن العوَام- وشهد معه الجمل- وعن سلمة بن المحبَق الهذليَّ حديث ‏"‏ذكاة الأديم دباغه‏"‏، وحديث‏:‏ أن رجلاَ وقع على جارية امرأته‏.‏

- على خلافِ في ذلك-، روى عنه الحسن البصريَّ وقتادة- إن كان محفوظاً- وقرَة بن الحارث البصريُّ‏.‏

101- قال هُشَيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عن جَوْن بن قتادة‏:‏ كنَا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فمرَّ بعض أصحابه بسقاءَ معلقِ فيه ماء، فأراد أن يشرب، فقال له صاحب السقاء‏:‏ إنَه جلد ميتة‏.‏

فأمسك حتَى لحقهم النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا ذلك له، فقال‏:‏ ‏"‏اشربوا، فإن دباغ الميتة طهورها‏"‏‏.‏

هكذا رواه أحمد بن منيع وشجاع بن مخلد ويحيى بن أيُوب المقابريَّ عن ‏[‏هُشيم‏]‏- من دون ذكر سلمة بن المُحبَق فيه-، وذلك معدودٌ من أوهام ‏[‏هُشيم‏]‏‏.‏

قال الحافظ أبو عبد الله بن مَنْدَه‏:‏ ورواه الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما عن هُشيم عن منصور ويونس بن عبيد وغيرهما عن الحسن عن سلمة بن المحبَّق، من غير ‏[‏ذكر‏]‏ جون فيه‏.‏

ورواه قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبَق‏.‏

وهو الصَحِيح‏.‏

انتهى ما حكاه ابن مَنْده‏.‏

ورواه زكريا بن يحيى زحمويه الواسطيُ عن هشيم عن منصور عن الحسن عن جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المحبَق‏.‏

وهو الصَحيح فيما حكاه الحافظ أبو نُعَيْم منتصراً لهُشَيم، راداً على من نَسب ‏[‏الوهم إليه‏]‏، وهو أبو عبد الله بن مَنْدَه‏:‏ قال في ‏"‏معرفة الصَحابة‏"‏‏:‏ جَوْن بن قتادة التميميُ، عداده في أهل البصرة، لا تصحُ له صحبةٌ ولا رُؤيةٌ، وَهِمَ هُشَيم في حديثه‏.‏

وقال أبو نُعَيْم في ‏"‏معرفة الصَحابة‏"‏‏:‏ جَوْن بن قتادة التميميُّ، يعدُّ في البصريين، لا تثبت له صحبةٌ ولا رُؤية، ذكره بعض الواهمين في الصَّحابة، ونسب وهمه إلى هُشَيم، وهو وهم، لأن زكريا بن يحيى زحمويه رواه عن هشيم مجوداً- يعني بذكر سلمة بن المحبَّق في إسناده-‏.‏

قال شيخنا أبو الحجاج- رضي الله عنه-‏:‏ وقد أصاب ابن مَنْدَهَ فيما نسبه إلى هُشَيم من الوَهْم، لأن ذلك هو المحفوظ عن هشيم، رواه غير واحدٍ عنه كذلك؛ وأمَّا رواية زحمويه فشاذَةٌ عن هشيم، لكن قد وهم ابن مَنْدَه في قوله‏:‏ إنَّ الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما رووه عن هشيم بالإسناد الذي ذكره‏.‏

إنَّما ذلك الإسناد للحديث الثَاني- وهو‏:‏ أن رجلاً خرج في سفرٍ فبعثت معه امرأته بخادم تخدمه، فوقع عليها في سفره‏.‏

-، وقد اختلف فيه على الحسن أيضاً‏:‏ رواه‏:‏ أبو حرَّة واصل بن عبد الرَحمن ومنصور بن زاذان ويونس بن عبيد ومبارك بن فضالة وهشام بن حسَان عن الحسن عن سلمة بن المحبَق، ليس بينهما أحد‏.‏

وكذلك رواه‏:‏ محمَد بن مسلم الطَائفيُ وحمَاد بن زيدٍ عن عمرو بن دينارٍ عن الحسن‏.‏

وتابعهما سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن‏.‏

ورواه سفيان بن عُيَينَة عن عمرو بن دينار فاختلف عليه فيه‏:‏ فرواه عبيد الله بن عمر القواريريَّ عنه عن عمرو عن الحسن ‏[‏عن سلمة‏]‏ كما تقدَم‏.‏

ورواه العبَاس بن يزيد البَحْرانيُ عنه عن عمرو عن الحسن عن رجل عن سلمة‏.‏

ورواه بكر بن بكَار عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة- أو عن رجل- عن سلمة‏.‏

وقيل عنه بهذا الإسناد‏:‏ عن جَون بن قتادة عن سلمة بن المحبَق، من غير شكٍ‏.‏

وقال أبو طالب‏:‏ سألته- يعني أحمد بن حنبل- عن جون بن قتادة، فقال‏:‏ لا يعرف‏.‏

قلت‏:‏ يروي غير هذا الحديث‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

يعني حديث الدباغ‏.‏

وقال أبو الحسن بن البرَاء عن عليَّ بن المديني في هذا الحديث‏:‏ رواه قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة، وجَوْن معروفٌ، وجون لم يرو عنه غير الحسن إلا أنَّه معروف‏.‏

وقال في موضعٍ آخر‏:‏ الذين روى عنهم الحسن من المجهولين‏.‏

فذكرهم، وذكر فيهم‏:‏ جون بن قتادة‏.‏

وقال خليفة بن خيَّاط‏:‏ أدرك ابن الزبير‏.‏

وقال محمَّد بن سعد‏:‏ قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوفٍ بن كعبٍ ابن عبد شمس- ‏[‏وهو عبشمس‏]‏، وليس عبد شمس إلا في قريش- بن سعد بن زيد ‏[‏‏]‏ مناة بن تميم، صحب النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الوفد، وكتب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً بالشبكة ‏[‏‏]‏- موضع بالدَّهْناء-؛ وهو ‏[‏أبو‏]‏ الجون بن قتادة‏.‏

وقال ابن عَدِيً‏:‏ لم يعرف ‏[‏له‏]‏ أحمد بن حنبل غير حديث الدباغ، وقد ذكرت بذلك الإسناد ‏[‏حديثاً‏]‏ آخر، وما أظنُّ له غيرهما- يعني حديث بكر بن بكار-‏.‏

روى له أبو داود والنَسائي والطبرانيُ حديث الدباغ‏.‏

والله أعلم O‏.‏

102- الحديث الرَابع‏:‏ قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو بكر النَيسابوريَّ ثنا محمَد بن عَقيل بن خويلد ثنا حفص بن عبد الله ثنا إبراهيم بن طَهْمان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أيما إهاب دبغ فقد طهر‏"‏‏.‏

قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ إسناد حسن‏.‏

103- الحديث الخامس‏:‏ قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا محمَد بن مخلد ثنا إبراهيم بن الهيثم ثنا عليُ بن عيَّاش ثنا محمَد بن مطرَّف ‏[‏عن زيد بن أسلم‏]‏ عن عطاء بن يسار عن عائشة عن النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏طهور كل أديم دباغه‏"‏‏.‏

قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ إسناده كلهم ثقات‏.‏

ز‏:‏ إبراهيم بن الهيثم‏:‏ تُكلم فيه‏:‏ والمحفوظ حديث زيد عن ابن وَعْلة‏.‏

قال ابن عدِي في إبراهيم‏:‏ حدَث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جَمِيل عن المبارك بن فَضَالة عن الحسن عن أنس عن النَبيَّ، فكذَّبه فيه النَّاس وواجهوه به‏.‏

وأحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الذي أنكروه عليه O‏.‏

104- طريقٌ آخر‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا إسحاق ‏[‏بن‏]‏ عيسى أخبرني مالك عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط عن محمَد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن أُمه عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت‏.‏

ز‏:‏ ورواه أبو داود وابن ماجه والنَسائيُ وأبو حاتم بن حِبَان في ‏"‏صحيحه‏"‏‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب ‏"‏العلل ‏"‏‏:‏ قلت لأبي‏:‏ ما تقول في هذا الحديث- حديث ‏[‏مالك‏]‏ عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط عن محمَّد بن عبد الرَحمن بن ثوبان عن أُمه عن عائشة أنَ النَبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت- قلت لأبي‏:‏ ما تقول في هذا الحديث‏؟‏ قال‏:‏ فيه أُمُه، من أمُّه‏؟‏ كأَنه أنكره من أجل أمه‏.‏

105- وعن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏استمتعوا بجلود الميتة إذا دبغت، تراباً كان، أو رمادًا أو ملحاً، أو ما كان، بعد أن تريد صلاحه‏"‏‏.‏

رواه الدَارَقُطْنيُ، وفي إسناده‏:‏ معروف بن حسَان، قال أبو حاتم الرَازي‏:‏ مجهول‏.‏

وقال ابن عَدِي‏:‏ منكر الحديث O‏.‏

قال المؤلف‏:‏ ولهم‏:‏ حديث يرويه ‏[‏المغيرة بن شعبة، وحديث ترويه‏]‏ أمُ سلمة، كلاهما مطعون فيه، فلم أر في ذكرهما فائدة، وأصحابنا يقولون‏:‏ حديثنا متأخر وهو حاظر، والحظر مقدمٌ‏.‏

مسألة ‏(‏18‏)‏‏:‏ صوف الميتة وشعرها طاهر‏.‏

وقال الشَّافعيُ‏:‏ نجسٌ‏.‏

استدل أصحابنا بأربعة أحاديث‏:‏ أحدها‏:‏ حديث ابن عبَاس‏:‏ ‏"‏إنما حُرِّم أكلها ‏"‏ وقد سبق إسناده، وأنَّه في ‏"‏الصَحيحين‏"‏‏.‏

106- الحديث الثَاني‏:‏ قال الدَارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن علي بن إسماعيل الأيلي ثنا أحمد بن إبراهيم البُسْريَّ ثنا محمَد بن آدم ثنا الوليد بن مسلم عن أخيه ‏[‏‏]‏ عبد الجبَار بن مسلم عن الزهريِّ عن عبيد الله عن ابن عبَاس قال‏:‏ إنَّما حرَم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الميتة لحمها، فأمَا الجلد والشَعر والصُوف فلا بأس به‏.‏

قال الدَارَقُطْنِيُّ‏:‏ عبد الجبَار ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه تمَّام في ‏"‏فوائده ‏"‏ عن أبي الميمون بن راشد وأبي عبد الله ابن مروان وغيرهما عن أبي عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي- وهو البُسْريَّ- عن محمَد بن آدم‏.‏

وقال‏:‏ لم يسند عبد الجبَار غير هذا الحديث، والله أعلم O‏.‏

107- الحديث الثَالث‏:‏ قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا محمَّد بن نوح الجنديسابوريَّ ثنا عليُ بن حرب ثنا سليمان بن أبي هَوْذَة أنا زافر بن سليمان عن أبي بكر الهذليِّ أنَّ الزهريَّ حدَثهم عن عبيد الله عن ابن عبَاس قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏ألا كل شيء من الميتة حلالٌ إلاَّ ما أكل منها‏"‏‏.‏

فأمَا الجلد والقد والشَّعر والصُوف والسِّن والعظم فكلُّ هذا حلالٌ، لأنَه لا يذكَى‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ الهذليُّ‏:‏ متروكٌ‏.‏

وقال غُنْدر‏:‏ كذَابٌ‏.‏

وقال يحيى وعليٌ‏:‏ ليس بشيءِ‏.‏

108- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو طلحة أحمد بن محمَد ابن عبد الكريم ثنا سعد بن محمَد ثنا أبو أيُوب ‏[‏‏]‏ سليمان بن عبد الرَحمن ثنا يوسف بن السَفر ثنا الأَوْزَاعِيُ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن قال‏:‏ سمعت أمَ سلمة تقول‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏لا بأس بمَسك الميتة إذا دبغ، ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء‏"‏‏.‏

قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ لم يأت به غير يوسف بن السَفر، وهو متروكٌ يكذب‏.‏

وقال أبو زرعة والنَّسائيُ‏:‏ هو متروكٌ‏.‏

وقال دُحيم‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ لا يحلُ الاحتجاج به بحالِ‏.‏

احتجَّ الخصم‏:‏ 109- بما رواه أبو أحمد بن عَدِي‏:‏ ثنا محمَد بن الحسن السكونيُ قال‏:‏ حدَث أحمد بن سعيد البغداديَّ وأنا حاضر‏:‏ ثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي روَّاد قال‏:‏ حدَثني أبي عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ادفنوا الأظفار والدَّم والشَعر فإنه ميتةٌ‏"‏‏.‏

قال ابن عَدي‏:‏ لعبد الله بن عبد العزيز أحاديث لم يتابع عليها‏.‏

وقال أبو حاتم الرَازيَّ‏:‏ أحاديثه منكرة، وليس محلُه عندي الصَّدق‏.‏

وقال عليُ بن الحسن بن الجنيد‏:‏ لا يساوي فلساً، يحدث بأحاديث كذب‏.‏

مسألة ‏(‏19‏)‏‏:‏ عظم الميتة نجسٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ طاهرٌ‏.‏

واستدلَّ أصحابنا‏:‏ بقوله‏:‏ ‏"‏لا تنتفعوا من الميتة بشيء‏"‏، وقد سبق‏.‏

وللخصم حديثان‏:‏ أحدهما‏:‏ حديث يوسف بن السَفر، وقد ذكرناه آنفَا‏.‏

110- والثَاني‏:‏ رواه ابن عَدِيٍّ‏:‏ أنا أبو يعلى ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ‏[‏ثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جُحادة عن حميد الشَامي‏]‏ عن سليمان المَنْبِهيُ عن ثوبان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج‏.‏

والجواب من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن هذا الحديث لا يصحُ؛ لأنَ حميد وسليمان مجهولان، قال أحمد‏:‏ لا أعرف حميداً‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ لا أعرف سليمان‏.‏

والثَاني‏:‏ أن المراد بالعاج‏:‏ خشب الذَبْل، قال ابن قتيبة‏:‏ ليس العاج ههنا الذي تعرفه العامة، وتخرطه من العظم والنَاب، ذلك ميتة منهيٌ عنه، فكيف يتخذ لها منه سواراً‏؟‏‏!‏ إنَّما العاج‏:‏ الذَبْلُ، والعاجة‏:‏ الذَبْلَةُ‏.‏

قال ذلك الأصمعيُ‏.‏

ز‏:‏ روى حديث ثوبان‏:‏ أحمد وأبو داود وابن ماجه في ‏"‏التَّفسير‏"‏‏.‏

وسليمان المنْبهيُ‏:‏ يقال له‏:‏ سليمان بن عبد الله، ذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏الثِّقات ‏"‏، وقال عثمان الدَارميُ‏:‏ قلت ليحيى بن معين‏:‏ حميد الشَامي عن سليمان المنبِهيِّ حديث ثوبان‏.‏

فقال‏:‏ ما أعرفهما‏.‏

وحميد الشاميُ‏:‏ قال ابن عَدِيٍّ‏:‏ يقال‏:‏ حميد بن أبي حميد، وإنَّما أنكر عليه هذا الحديث الواحد، ولم أعلم له غيره‏.‏

وروى عن حميد‏:‏ سالم المراديَّ وصالح بن صالح بن حيٍّ وغيلان بن جامع ومحمَّد بن جحادة، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏20‏)‏‏:‏ لا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بذبحه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يطهر‏.‏

وأصحابنا يقولون‏:‏ هذا ميتة‏.‏

ويذكرون أحاديث النَهي عن الميتة‏.‏

والخصم يحتجُّ بقوله‏:‏ ‏"‏دباغ الأديم ذكاته‏"‏، وقد سبق‏.‏

مسألة ‏(‏21‏)‏‏:‏ بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر‏.‏

وعن أحمد ‏[‏أنَه‏]‏ نجسٌ، كقول الشَافعيٍّ‏.‏

وقال أبو حنيفة في الحَماَم والعصافير كقولنا، وفي البقيَّة كقوله‏.‏

لنا ثلاثة أحاديث‏:‏

111- الحديث الأوَّل‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ ثنا قتيبة ثنا حمَاد عن أيُوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أنَّ رهطاً من عُكْلٍ- أو قال‏:‏ عُرَيْنَة، ولا أعلمه إلاَّ قال‏:‏ عُكْلٍ- قدموا المدينة، فأمر لهم النَبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها، فشربوا حتَّى إذا برؤا قتلوا الرَاعي واستاقوا النَعَمَ‏!‏ فبلغ النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُدْوَةً، فبعث الطَّلَبَ في إثرهم، فما ارتفع النَّهار حتَى جِيءَ بهم، فأمر بهم‏:‏ فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَرَ أعينهم، وألقوا بالحرَّة، يَسْتَسْقُون فلا يُسْقَوْنَ‏.‏

قال أبو قِلابة‏:‏ هؤلاء قومٌ سرقوا وقتَلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله‏.‏

وأخرجه مسلم‏.‏

112- الحديث الثَاني‏:‏ قال الدارَقُطْنيُ‏:‏ ثنا أبو بكر الآدميُ أحمد بن محمَد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن أيُوب ‏[‏المُخَرميُ‏]‏ ثنا يحيى بن أبي ‏[‏بكير‏]‏ ثنا سَوَار بن مصعب عن مطرَّف بن طريف عن أبي الجَهْم عن البراء قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا بأس ببول ما أكل لحمه‏"‏‏.‏

113- الحديث الثَالث‏:‏ قال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ ثنا أبو سهل بن زياد ثنا سعيد بن عثمان الأهوازيَّ ثنا عمرو بن الحُصَين ثنا يحيى بن العلاء عن مطرِّف عن محارب بن دِثَار عن جابر عن النَبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏ما أكل لحمه فلا بأس ببوله‏"‏‏.‏

الاعتماد على الحديث الأوَل، وفي هذين الحديثين مقالٌ‏:‏ أمَا الأوَّل منهما‏:‏ فقال أحمد ويحيى بن معين وزاد‏:‏ والنَسائيُ‏:‏ سَوَار متروك الحديث‏.‏

وقد اختلف عنه‏:‏ 114- فروى الدَارَقُطنِيُ‏:‏ ثنا محمَد بن الحسن بن سعيد ثنا إبراهيم بن نصر الرازيَّ ثنا عبد الله بن رجاء ثنا مصعب بن سَوَار عن مطرَّف عن أبي الجَهْم عن البراء قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ما أُكل لحمه فلا بأس بسؤره‏"‏‏.‏

قال الدارَقُطْنِيُ‏:‏ كذا يسميه عبد الله بن رجاء‏:‏ ‏(‏مصعب بن سَوَار‏)‏- يقلب اسمه-، وإنَما هو سَوَار بن مصعب‏.‏

وأمًا الحديث الثَاني‏:‏ ففيه عمرو بن الحُصَن، قال أبو حاتم الرَّازيَّ‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال الدَارَقُطْنِيُ‏:‏ متروكٌ‏.‏

وأمَا يحيى بن العلاء، فقال أحمد‏:‏ كذَّاب يضعُ الحديث‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏كوفيِّ‏)‏‏.‏

الفلاَّس‏:‏ متروك الحديث‏.‏

ز‏:‏ 115- روى البخاريُّ ومسلم في ‏"‏صحيحيهما‏"‏ عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في ‏[‏مَرَابِض‏]‏ الغنم قبل أن يُبنى المسجد‏.‏

116- وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النَبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ أصلِّي في ‏[‏مَرَابِض‏]‏ الغنم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏

قال‏:‏ أصلي في مَبارك الإبل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏

رواه مسلمٌ‏.‏

117- وعن البراء بن عازبٍ قال‏:‏ سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصَّلاة في مبارك الإبل، قال‏:‏ ‏"‏لا تصلُوا فيها فإنَها من الشَياطين‏"‏‏.‏

وسئل عن الصلاة في ‏[‏مرابض‏]‏ الغنم، فقال‏:‏ ‏"‏صلوا فيها فإنَها بركة‏"‏‏.‏

رواه الإمام أحمد وأبو داود‏.‏

118- وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏صلُوا في ‏[‏مرابض‏]‏ الغنم، ولا تصلُوا في أعطان الإبل‏"‏‏.‏

رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذيَّ وقال‏:‏ حديثٌ حسن صحيحٌ‏.‏

119- وعن عبد الله بن عبَاس أنَّه ‏[‏قال‏:‏‏]‏ قيل لعمر بن الخطَّاب‏:‏ حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر‏:‏ خرجنا إلى تبوك في قيظٍ شديدٍ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش حتَى ظنَّنا أن رقابنا ستقطع، حتَى إن ‏[‏كان الرَجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتَّى نظنَّ أنَّ رقبته ستقطع، حتَى إنَّ‏]‏ الرَّجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده‏!‏ فقال أبو بكر الصَّديق‏:‏ يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدُعاء خيراً، فادع لنا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏أتحب ذلك‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فرفع يديه فلم يرجعهما حتَى قالت السَماء فأطلَّت ثمَّ سكبت، فملأوا ما معهم، ثمَّ ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر‏.‏

رواه الإمام ‏[‏‏]‏ أبو بكر محمَد بن إسحاق بن خزيمة في ‏"‏صحيحه ‏"‏‏:‏ ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب قال‏:‏ أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عبَّاس فذكره‏.‏

ورواه أبو حاتم بن حِبَان البستيُّ عن عبد الله بن محمَّد بن سلم عن حرملة بن يحيى ‏[‏عن‏]‏ ابن وهب‏.‏

ورجاله كلُهم مخرَّج لهم في الصَحيح‏.‏

وقد سئل الدَارَقُطْنيُ ‏[‏عنه‏]‏ فقال‏:‏ رواه أحمد بن صالح ويونس عن ابن وهبٍ بهذا الإسناد‏.‏

وخالفهم يعقوب بن محمَّد الزهريَّ ‏[‏فرواه‏]‏ عن ابن وهبٍ ولم يذكر في الإسناد عتبة، جعله عن سعيد بن ‏[‏أبي‏]‏ هلال عن نافع‏.‏

والقول فيه قول من ذكر عتبة بن أبي عتبة، وهو عتبة بن مسلم‏.‏

قال ابن خزيمة‏:‏ لو كان ماء الفرث إذا عصر نجساً لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينِّجس بعض بدنه، وهو غير واجدٍ لماء طاهرٍ يغسل موضع النَجس منه، فأمَّا شرب الماء النَجس عند خوف التَلف إن لم يشرب ذلك ‏[‏الماء‏]‏‏:‏ فجائز إحياء النَّفس بشرب الماء النَّجس، إذ الله جلَّ وعلا قد أباح عند الاضطرار إحياء النَفس بأكل الميتة والدَّم ولحم الخنزير إذا خيف التَلف إن لم يأكل، والدَّم ولحم الخنزير نجس محرَمٌ على المستغني عنه، مباحٌ للمضطر إليه لإحياء النَفس بأكله، فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النَّجس أن يحيى نفسه بشرب ماءٍ نجسٍ إذا خاف التَلف على نفسه بترك شربه، فأمَّا أن يجعل ماءً نجساً على بعض بدنه والعلم محيطٌ أَنه ‏[‏إن‏]‏ لم يجعل ذلك الماء النَجس على بدنه ‏[‏لم يخف التَلف على نفسه، ولا كان في إمساس ذلك الماء النَجس بعض بدنه‏]‏ إحياء نفسه بذلك، ولا عنده ماء طاهرٌ يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء، فهذا غير جائزِ ولا واسعِ لأحدِ أن يفعله‏.‏

120- وعن عبد الله بن مسعود أنَ النَّبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابٌ له جلوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض‏:‏ أيّكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمَدٍ إذا سجد‏؟‏ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتَى سجد النَبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا لا أغيِّر شيئاً‏!‏ لو كان لي منعةٌ‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساجدٌ لا يرفع رأسه، حتَى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، قال‏:‏ ‏"‏اللهم عليك بقريش- ثلاث مرات- ‏"‏ فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال‏:‏ وكانوا يرون الدَّعوة في ذلك البلد مستجابة، ثمَّ سمَّى‏:‏ ‏"‏اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعليك بعتبة بن ربيعة، وبشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميَّةَ بن خلف، وعقبة بن أبي معيط- و ‏[‏عدَ‏]‏ السَّابع فلم نحفظ- ‏"‏ قال‏:‏ فو الذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرعى في القليب- قليب بدر-‏.‏

متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية له‏:‏ فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها‏.‏

وفيه‏:‏ فضحكوا حتَّى مال بعضهم على بعض‏.‏

- وذكر السابع قال‏:‏- ‏"‏ ‏[‏و‏]‏ عمارة بن الوليد ‏"‏ O‏.‏